خرج النبي ذات ليلة ونظر فى السماء ثم تلا هذه الآية : {إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ} [آل عمران:190]، ثم قال: «اللهم إجعل فى قلبي نورا، وفى سمعي نورا، وفى بصري نورا، وعن يميني نورا، وعن شمالي نورا، ومن بين يدي نورا، ومن خلفي نورا، ومن فوقي نورا، ومن تحتي نورا، وأعظم لي نورا»
هذا النور الذى أراده النبي هو نور البصيرة -أو العقول الحقيقية- التى تدرك السر من وراء الكون ومابه من موجودات.. والتى تؤمن بأن وراء كل مايحيطها من آيات خالق عظيم أبدع خلقها وبرع فى تنظيمها.. وتدرك أن من يريد به الخالق خيرا ينعم عليه بتلك البصيرة التى تكون سبيلا لصاحبها للوصول الى جنة الخلود ومابها من نعيم لاينفذ... أصحاب هذه العقول سنتعرف عليهم على ماينتظرهم عند ربهم جزاءاً لهم.
¤ آيـــات فى آيــة:
يقول الحق تبارك وتعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ} [آل عمران:190].
فى هذه الآية ظواهر كونية مثل خلق السماء والأرض وإختلاف الليل والنهار، وفى هذه الظواهر الكثير من أسرار الخالق العظيم.. فمثلا إختلاف الليل والنهار نذكر له معنيان من ضمن الكثير من المعاني:
= فمجيء الليل بعد النهار يعني إختلافهما أي كل منهما خليفة للآخر.
= وإختلاف آخر يتمثل في أن النهار منير، والليل مظلم، والنهار محل حركة، والليل محل سكون.
إذن فإختلاف الليل والنهار ليس آية فقط ولكنه آيات كثيرة لكثيرين ممن يتفكرون، كل على قدر مايرى.
وكأن الحق سبحانه وتعالى يوضح لنا: أنّ الفرد أعجز من أن يستنبط كل ما في الآيات، ولكن على كل واحد منكم أنتم البشر أن يستنبط آية، ولكل إنسان أن يستنبط آية ينتفع بها هو وغيره من الناس وهكذا..
وفى هذه الظواهر من الآيات العجيبة ما يبهر الناظرين، ويقنع المتفكرين، ويجذب أفئدة الصادقين، وينبه العقول النيرة على جميع المطالب الإلهية، فأما تفصيل ما إشتملت عليه، فلا يمكن لمخلوق أن يحصره... وفي الجملة فما فيها من العظمة والسعة، وإنتظام السير والحركة، يدل على عظمة خالقها، وعظمة سلطانه وشمول قدرته، وما فيها من الإحكام والإتقان، وبديع الصنع، ولطائف الفعل، يدل على حكمة الله ووضعه الأشياء مواضعها، وسعة علمه، وما فيها من المنافع للخلق، يدل على سعة رحمة الله، وعموم فضله، وشمول بره، ووجوب شكره..
¤ أهل العقول..من هم؟؟
ولكن من هم الذين يدركون هذه الآيات العظيمة؟؟ إنهم من تعلقت قلوبهم بخالقها، وهم من يبذلون الجهد في مرضاته، وهم من لا يشركون به سواه، ممن لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء..
هم أولي الألباب، وهم أهل العقول، لأنهم هم المنتفعون بها، الناظرون إليها بعقولهم لا بأبصارهم..
وهم أصحاب العقول الحقيقية التي لا تنشغل بالنعمة عن المنعم... تلك العقول التى تدرك أن لله إمداداً حين خلق من عَدَم، وإمداداً حين أمدّ من عُدم، وإمداداً آخر حينما يلقى على نعمته شيئاً من البركة، فالذي أخذ نعمة الله التي سبقت وجوده، وبعد ذلك غفل عن الحق سبحانه وتعالى فإن النعمة تعطيه، لكنها لا تكون مصحوبة بالبركة.
فقد يعطيك الله بالأسباب والمسببات، لكن الله لا يعطيك البركة إذا أخذت النعمة وتركت المنعم، فلو أنك عند كل شيء ذكرت الله لأخذت النعمة والبركة، فحين ترى لك شيئاً تحبه عليك أن تقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، أى أن هذا الشئ ليس منك ولامن عملك ولكنه بمشيئة الله وقوته سبحانه، فأنت رددتها إلى مَن خلقها، فضمنت صيانة الله لها بذلك الرد.. وقتها تكون أدركت المعنى الحقيقي للوجود والموجودات..
وفى النهاية.. كيف لمن يتأمل هذه الآيات العظيمة أن لاترى عينيه خالق وفاطر هذا الكون كيف لاتستشعر روحه عظمة وبراعة هذا الخالق... وكيف لاينبض قلبه بحبه سبحانه وتعالى...
الكاتب: غادة بهنسي.
المصدر: الخواطر القرآنية للشيخ متولى الشعراوى.